أعوذ بالله من الشیطان الرجیم
بسم الله الرحمن الرحیم
إنّ قضیّة الیوم إذ واجهت إسرائیل المسلمین لا هي حرب طائفیة ولا هي حرب دینیة، بل إنّما هي حرب بین الحقّ والباطل، یعني: أنّها حرب إسلامیة. ونظراً إلی کونها حرباً إسلامیة، تقع جمیع البلاد الإسلامیة في جانب ویقع الکیان الصهیوني في جانب آخر. إنّها تخالف أصل الإسلام؛ لأنّ الإسلام یقول: لو أنّ طائفة أتت وغصبت قطعة أرض من بلد، یجب أن یُخرجوا منها.
إذن، لیس الکلام عن المذهب، والشیعة والسنّة، وإیران ولبنان، والعرب والعجم، بل الکلام عن القرآن وغیر القرآن. الشيء الوحید الذي یقع الآن في المیدان هو القرآن، والشخص الوحید الذي یحارب القرآن هو إسرائیل وأصحاب الکفر.
والأمر الثاني هو أنّ أمراء البلاد الإسلامیة وقادتها لو لم یعتنوا بنصرة هذه النهضة، هم أیضاً سیبتلون بأنفسهم بإسرائیل. ولا یتصوّرنّ أحد أنّهم لو لم ینصروا هذه الطائفة، سیکونون هم بأمن وسلام؛ لأنّهم بأنفسهم أیضاً یعیشون تحت رایة الإسلام.
والأمر الثالث هو أنّ إسرائیل تقف إلی الحدّ الممکن لأنّ شخصها بل کلّ هویّتها في خطر، إنّ إسرائیل کلّها لهالکةٌ، ولیس لها محلّ من الإعراب، لا البلاد الأخری تستقبلها ولا هي قادرة علی أن تستمرّ بالحیاة في هذه الأراضي المحتلّة.
إذن، إسرائیل الآن تحسّ بالخطر بکلّ وجودها. فتارة یکون الأمر، نظیر: الحروب التي فیها لو قتلونا، لانبری أولادنا للدفاع، هذا جیّد، ولکنّ هذا یرفض إسرائیل نفسه ویراه غاصباً یجب علیه أن یخرج من هذه البلاد رأساً، ولیس له موضع یلجأ إلیه، فیدافع عن أرضه بکلّ قواه. لیس الأمر أنّه یقول: الآن لا أنتقم وأولادي أیضاً لا ینتقمون، وسیأتي الجیل القادم وینتقم، کلّا! إنّ المسلمین لو انتصروا الیومَ، لذهبوا بإسرائیل وأفنوها، یقولون: إنّكم غاصبون ولا یکون لکم نصیب من هذه الأرض.
ومن هنا یدافع بکلّ حیثیته، وهم لعلمهم بذلك من ذي قبل یساندون ذلك في هذه الجهة.
والأمر الآخر هو أنّ الذي یحاربونه لیس هو إیران ولا لبنان ولا حزب الله، بل یحاربون الدین فقط. إذا کان الدین في جانب فلا یحقّ لنا أن نقول: نحن ضعفاء، أو إنّ قوّتنا ضعیفة، أو إنّنا عاجزون؛ لأنّه قال: ﴿هُوَ مَعَكُمْ﴾. (سورة الحدید / الآیة 4). لو کان معهم الذات الأقدس الإلهيّ - وهو کذلك، مثل: النظام الإسلامي والثورة الإسلامیة – فلا یحتمل فیهم الانکسار، ولو بمقدار نصف بالمئة، لا یحتمل فیهم أيّ احتمال للانکسار قطعاً، نظیر: ما اتّفق للثورة الإسلامیة.
إنّ ما أودّ أنّ أوجّهه إلی أمراء البلاد الإسلامیة وقادتها وعلمائها؛ من إخواننا المسلمین والمتدیّنین في مختلف البلاد الإسلامیة هو أن یرجعوا إلی القرآن الکریم مرّة أخری، ولننظر ما قاله القرآن في الیهود وإسرائیل هذا أوّلاً، ثمّ نری ما هو واجبنا تجاههم ثانیاً.
والأمر التالي هو أنّ القرآن قد بیّن لنا هویّة إسرائیل من هم هؤلاء الصهاینة وإلی أيّ حدّ هم مستعدّون للتعدّي والطغیان. ثانیاً: إنّ هؤلاء الذین بقوا تحت الرکام وتُخرج جثثهم، فإنّ القرآن یذکر لنا حالهم؛ بألّا تقولوا: «آه»؛ فإنّکم وإیّانا ما عشنا لوردنا من الآلام والأوجاع ما لا یحصی، وبمجرّد أن ندخل ساحة البرزخ نلقی الروح والریحان. رحم الله سیدنا الأستاذ، المرحوم العلّامة الطباطبائي، إنّه کان یقول: إنّ هؤلاء الشهداء الذین ترونهم قد أصیبوا بالطلقات في میدان القتال وهم یحتضرون یخال أنّهم یتألّمون، بینما هم مثل من یرد الماء في جوّ حارّ ویأخذ یسبح، نعم إنّهم یتمتّعون بهذه اللذّة. ویجب أن نقتبس هذا البیان النوراني من القرآن؛ من کون الموت علی نحوین: فتارةً یتألّم الإنسان حال الموت، وتارةً أخری یکون حال موته کمال نشاطه ولو أنّنا کنّا نراه تحت الرکام.
فههنا أمور، الأوّل: «الإسرائیل ما هو؟» فإنّ هذا ممّا بیّنه الذات الأقدس الإلهيّ وقال للنبي: إنّکم لا تواجهون فئة عادیة، قال في الآیة الثالثة عشرة من سورة المائدة المبارکة: ﴿لَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ﴾، إنّکم لا تواجهون بلداً عادیاً. هذه تتعاطی الخیانة في کلّ یوم وتخطّط حتّی تجسّس، و «ولا تزال» یعني: «لا تزال». من تواجهون؟ من تریدون أن تحاربوه؟ من یفي بالعقود والعهود وعملیات إیقاف الحرب، وهؤلاء لیسوا من هذا القبیل. أنت نبي ولکنّهم یخونونك في کلّ یوم. و «لا تزال» هذا یفید الاستمرار والثبوت، قال: ﴿لَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ﴾، في کلّ یوم تخطیط، في کلّ یوم سیاسة، في کلّ یوم عصابات، في کلّ یوم خلاف، في کلّ یوم تخلّف، إنّ هذا لأصلّ عامّ. علیکم أن تعلموا من تواجهون.
هذا الأصل الأوّل وهو أنّنا من نواجه. والأصل التالي الذي یصعد إلی الملکوت شیئاً فشیئاً قال: أنتم ترون قوماً یحتضرون بالراحة ظاهراً، ولکنّ الأمر لیس هکذا، وترون قوماً آخرین یُخرجون من تحت الرکام، ولکنّ الأمر لیس هکذا. الإنسان ما دام حیّاً، کان له حکم دنیويّ، نعم، ولکن بمجرّد أن یدخل في عالم البرزخ، فإن کان کافراً فیفارق الحیاة بنحو، وإن کان مؤمناً فیفارق الحیاة بنحو آخر. وقد بیّن ذلك في طائفتین من آیات القرآن الکریم.
قال في الکفّار: لو أنّهم أرادوا أن یردوا الموت: ﴿إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾، (سورة محمّد / الآیة 27)، فإنّکم ترون من هو نائم علی السریر ویحتضر، ولکن لا تعلمون کیف یفارق الحیاة، هذا علی السریر، ولکن: ﴿يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾، لماذا؟ وذلك لأنّهم ارتکبوا بتلکم الخیانات السابقة فعلاً قبیحاً وهو أنّهم ﴿يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، (سورة آل عمران / الآیة 21)، إنّهم قتلوا عدداً کبیراً من النبیین، فماذا تتوقّعون؟ الذین ﴿يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، هل ترجون فیهم أن یعاملوا الشیعة وهؤلاء بصورة صحیحة؟
قال: هؤلاء القوم هم الذین لو أرادوا أن یموتوا تأتي الملائکة و ﴿يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾، وأنتم بحسب الظاهر ترون أنّه علی السریر، بینما هو تحت الضرب والعذاب، وهذا الذي انحرف وظلم وقتل المسلمین، فإنّ حین احتضاره تبدأ العقوبة الإلهیّة: ﴿الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾.
وأمّا الفئة الأخری، فهم الذین یُخرجون من تحت الرکام، نعم هم بحسب الظاهر جرحی ومصابون، ولکن تأتي إلیهم الملائکة، فحینما: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾، (سورة النحل / الآیة 32) فما الذي تقوم به الملائکة؟ ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾، (سورة الزمر / الآیة 73)، فتأتي الملائکة ویسلّمون علیهم.
فإن کانت هذه آیاتٍ، فعلی أمراء البلاد الإسلامیة وقادتها وعلمائها أن یعلموا أنّنا الیوم نواجه هؤلاء. ویوجد عندنا مثل هذا الملکوت أیضاً، وإیّانا أن نقول: «آه»، إنّهم یخرجون هؤلاء المساکین من تحت الرکام، نعم إنّهم یُخرجون من تحت الرکام، ولکنّهم حینما یأتون، تقول لهم الملائکة: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾. فلو أنّنا اتّخذنا سبیل الأنبیاء منهجاً - إن شاء الله – لکنّا مساندین لهؤلاء، مساندین للمؤمنین، مساندین للمجاهدین، مساندین لحزب الله، وکان لنا مثل ذلك حظّ ونصیب أیضاً، ولو کنّا – لا سامح الله – مهملین غیر مهتمّین، سوف یتحقّق ﴿إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾، یجب أن یعلموا هذه الأمور.
لو أُمرنا بأن اعرضوا أعمالکم، وأقوالکم، وأخلاقکم، ومسائلکم السیاسیة، ومسائلکم الاجتماعیة، علی القرآن، فإنّ هذا الکتاب یقول: إنّ عدوّکم هو من یخطّط لمحاربة الإسلام والمسلمین في کلّ یوم: ﴿لَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ﴾، واعلموا أنّ من ارتکب هذا العمل لا یبالي أحداً: ﴿يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، ویکون حزب الله وغیر حزب الله عنده سواء.
هذا بالنسبة إلی أمراء البلاد سواء الذین هم قائمون علی تولیة بیت الله في الحجاز، والذین هم قائمون علی تولیة بیت أهل البیت في سوریا، وهکذا الحال بالنسبة إلی سائر البلاد، وأیضاً الذین وإن لم یکن لهم إسلام، فعلیهم أن یلتفتوا: «إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وَکُنتُم لاَ تَخَافُونَ اَلْمَعَادَ، فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنیَاکُم»، کونوا هکذا.
قال تعالی: ﴿مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾، (سورة النساء / الآیة 122)، ولو قال: إنّکم لا تجدون أصدق منّي، وقال: ﴿مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾، قال: ﴿لَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ﴾، فإنّ هؤلاء هم من ﴿يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، فماذا تتوقّعون؟ مع من تریدون أن تتّفقوا؟ وعلی أیّة حال، فإنّه سوف یأتي علیکم یوم تبتلون بأتعس وضع ممکن، إهتمّوا بأنفسکم، لو أنّهم أرادوا أن یمسّوا إیران بشيء، فلا یمنعنّ أحد من جیوشکم العسکریة من ردّ إیران ولا یصیبوا صواریخها في السماء.
إذا کان السید عراقجي یذهب إلی تلك المناطق، فإنّه یعلّمهم ویربّیهم، حیث قال بعض: إنّ إسرائیل قالت لهؤلاء: لو أمکن أنّهم إذا أرادوا أن یأتوا من البلد الفلاني مثلاً، فأنتم قوموا بما یمنعهم من تحقیق هذا الأمر، فإنّ ذلك ممّا یمسّ دنیاهم وأخراهم وشرفهم وجاههم. إهتمّوا بأنفسکم، إنّ هذه نصیحة یقدّمها السید عراقجي لهم.
إنّ دستورنا الرسمي هو أن اعرضوا أنفسکم علی القرآن، لو کانت المسائل مشکلة نعم، لما کانت متیسّرة لنا، ولکنّه قال: اعرضوا أنفسکم علی القرآن في کلّ یوم. إنّ وجوهکم لتُضرب، فماذا تصنعون؟!
وأنا - بعد تقدیم الشکر إلیکم أیّها السادة، وبعد الاستغفار لوجود السید حسن نصر الله (رضوان الله تعالی علیه) المبارك الذي هو من أکابر شهداء عصرنا، وبعد تعظیم ذکری شهادة هذا السید الجلیل وجمیع شهداء منطقة لبنان وغزّة وأمثالهم – لعلی یقین أنّهم منتصرون من دون أيّ تردید، بَید أنّ علینا ألّا نقصّر قدر المستطاع، وبعد تقدیم الاحترام لأمراء البلاد الإسلامیة وعلمائها، وبعد تقدیم الاحترام لجمیع إخواننا المؤمنین من الشیعة والسنّة أقول: إنّ أوّل ما یجب علینا هو أن نعرض أنفسنا علی القرآن، ولیست هذه الأمور من الأمور المشکلة والمعقّدة. قال: أنظروا إلی هذه الأمور، تعلموا! نعم یمکن ألّا یتسنّی للجمیع بواطنها وحقائقها، ولکن کلّنا نفهم ﴿يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، ونفهم ﴿لَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ﴾، ونفهم ﴿إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾، ونفهم ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾.
فعلیه، لا یجوز أن یسکت أحد من علماء الإسلام ولا مسؤول من مسؤولي البلاد الإسلامیة سواء العرب منهم والعجم، والشرقي منهم والغربي، وإنّه بنفسه بیان: «السَّاكِتُ عَنْ الْحَقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ»، فإنّ الشیطان قد یتکلّم ویضلّ، وأحیاناً یضلّ من یسکت فيما یجب علیه أن ینصح، قال إنّ هذا: «شَيْطَانٌ أَخْرَسُ». نسبوا هذا الکلام إلی النبي الأکرم (صلّی الله علیه وآله وسلّم) إلّا أنّ الظاهر وجود إشکال في سنده، ولکنّ مفاده حقّ.
إذن، یجب أن نقوم بأمرین: أحدهما: العرض علی القرآن، والآخر: التطبیق مع أحداث الیوم.
نرجو ألّا یطول حتّی یمنّ الذات الأقدس الإلهيّ بنصرته علی الجمیع، وأن یکون ما سعاه القائد الشریف، سیّما في تلك الصلاة الجلیلة التي - حقّاً - کانت ذات جلالة واعتبار للإسلام مأجوراً. رحم الله الفردوسي إذ قال: «قال الفلك: أحسنت، وقال الملك: أجدت» (فلک گفت: احسنت، ملک گفت: زه)، ونحن تمثّلنا به في الوعد الصادق الثاني، لم یکن هذا شیئاً عادیاً، بل تحیّر منه الجمیع. ولم تکن إسرائیل فحسب، بل أنّکم تشاهدون أنّ هناك أمریکا، والبریطانیا، وفرنسا، کلّهم في هذا المیدان. إنّ هذه لهي حرب بین الأحزاب، وما هي الدولة التي لم تتبادر إلی مساعدتهم؟!
ولا ریب في انتصار الإسلام وهؤلاء. إقرؤوا القائد منّي السلام، واشکروا إلیه، ونرجو أن یشکر الله سعیکم. بلّغوا الأعزّاء الجرحی کلّهم سلامنا وعزاءنا وحبّنا ودعاءنا.
«غفر الله لنا ولکم، والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته»
وتمّت ترجمتها في «منظّمة ترجمة تراث العلّامة الشیخ عبدالله الجواديّ الآمليّ (دام ظلّه)» – مؤسسّة الإسراء الدولیة لعلوم الوحي